لغة السكون / بقلم الشاعر عبدالله سكرية


لغةُ السّكونِ ..      

     _ يـا ربِّ، أكرمتَ الخلائقَ كلَّهـا،      

                                 وجَعَـلْتَ صافي الخيرِ للإنسـانِ!

        وأَمَـرْتَه طَوْعـاً، يُقيم صلاتَـه ،     

                                وصـلاتُـه تقوى مـع العرفـانِ!

        فـبهـذهِ الآلاءِ طُفـتَ بعقلِـه ،     

                                وغمَرْتَ هذي التّقـوى بالإيمـانِ!..

   _ وحدَه السُّكونُ، ما زال يقِظاً، فيما الكائناتُ نيامٌ... ظلامٌ... هدوءٌ... وسكينةٌ.

    غيرَ أنَّ الطبيعةَ تتهيّأُ لأمرٍ ما، وها أنا، أَفَقْتُ من نومي ، صحيحًا، معافىً، ولم أجدْ نفسي، إلا قربَ النّافذةِ المُطِلّةِ، على حديقةِ البيتِ الصَّغيرةِ . هناكَ شعرتُ بهَيبةٍ، أطلَقتْ لِساني بالتّسبيحِ والعبادةِ ؛ خيالاتٌ، وظلالٌ، وأشكالٌ، كنتَ تَراها عمائرَ وأشجاراً، وبشرًا، تمرُّ أمامَ ناظريْك، في ذهابٍ وإيابٍ، وهي الآنَ تَلتَقي مع الصّمتِ باحتشامٍ وسُباتٍ، فتزيدُ في نفسِك الشّعورَ باليقْظةِ مَرّةً، وبالعَجْزِ مَرّةً، أمّا اليقظةُ فانتباهٌ لعظَمةِ خلقِ الله! أمّا العجزُ، فاستسلامٌ أمامَ قراءةِ هذا الخَلْقِ ،وأنتَ تُحاولُ فهْمَ وهضْمَ ما تَحْتويهِ مِنْ أسْرارٍ ..

   _ ويَأذَنُ الفجْرُ للصّلاةِ ، ويَنطلقُ نداءُ "اللهُ أكبرُ"، حيَّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح... فيشعرُ المتأمّلُ، أنّ شيئًا ما، قد حطَّ على المكانِ، حيثُ تتخطّفُك قراءاتٌ ملوّنةٌ ، تُثيرُ في نفسِك مَرّةً أُخرى الرّهبةَ والإعجابَ، ويروحُ كلُّ ما حولَك يتحرّكُ ليتنفّسَ مع التماعاتِ الفجرِ! تنفُّسٌ بطيْءٌ، يزيلُ شيئاً فشيئاً غشاوةَ اللّيلِ، وهدْأةَ السّكونِ. 

   _ ويتلو الدّيكُ صلاتَه، ترافقُه خُطى مصلِّ يَهرعُ الى المسجدِ، وضوءُ سيّارةٍ يتأهّبُ أهلُها إلى أعمالِهم، ثمّ تتناوبُ العصافيرُ المختبئةُ على قفَزاتٍ تكادُ تكونُ تثاؤباً، وكأنّها تستعدُّ لرحلةٍ جديدةٍ مع زقزقاتٍ مختزَنةٍ، ترقصُ لها الأوراقُ، والنسائمُ وتوقظُ مَن أثقلَه النُّعاسُ، وأخذَه ثِقَلُ اللّيلِ.

   _ وَيَطيبُ لكَ أنتَ ، في هذه اللّحَظاتِ البهيّةِ أن تأتيَ، كما اعتدْتَ علَيه كلَّ صباحٍ، بكوبٍ ومَصّاصةٍ، وماءٍ ساخنٍ ، جُهّزَ بدرايةٍ ودراسةٍ، ومعَها جميعُها "متّةٌ" لاتينيةٌ، صارتْ مرافقتَك كلَّ صباحٍ، تستدعيكَ بعدَ أن تَربُتَ ،على كتفِك ،بِرقّةٍ وشوقٍ، لتجلسَ قُبالتَها، وتأنسَ بشربِها حبّةً حبّةً، إلى أنْ تنقشعَ الأضواءُ بشَمسٍ مَهيبةٍ، تدْعو فيكَ، ذلك الاستعدادَ لاستقبالِ يومِ عملٍ آخرَ.

_ هي الصّباحاتُ، كما الغُروبِ، وكلُّ ما في الطبيعةِ، وفي هذا الوجودِ ،( تَشي بأسرارٍ وألغازٍ)( تدفعُكَ إلى التبصُّرِ بها)، فترى نفسَك في فهْمِ الجوهرِ منها حيناً، أو تحومُ حولَها، ليظهرَ فيك الضعفُ الإنسانيُّ أمامَ عَظَمَةِ الخالقِ.

                                       عبد الله سكريّة. 

_ معاني المُفرداتِ: الآلاءُ ، النِّعَمُ .السُّباتُ ، النَّومُ .الرَّهبَةُ ، شيء من الخوف. تربتُ ، تضربُ بِخِفّة . البهيَّة ، الجميلة . تَشي ، تُعلنُ . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

آخر الشرفاء /بقلم الشاعر محمد الفضيل جقاوة

يا مقلة العين هلي الدمع وانسكبي / بقلم الشاعر عبد العزيز بشارات

قلب الشاعر /بقلم الشاعر فؤاد زاديكي